تألقت الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس بمدينة الجديدة بحضور لافت للدول الإفريقية التي زينت فضاءات المعرض بألوانها وثقافاتها، محولة الحدث إلى ملتقى فني وتراثي يجمع بين التقاليد والمهارة والإبداع في عالم الفروسية. وقد استعرضت وفود من السنغال ومالي وبوركينا فاسو وطوغو وكوت ديفوار والنيجر ثراء تراثها في تربية الخيول وفنون الترويض وصناعة السروج التقليدية والحرف المرتبطة بالفروسية، مما منح الزوار فرصة لاكتشاف التنوع الثقافي الإفريقي في بعده الأصيل والمتجذر.
وعرضت الأروقة المشاركة نماذج متنوعة من السلالات الإفريقية للخيول ومشاهد فنية من الحياة الريفية والعادات القديمة التي تحتفي بالفرس باعتباره رمزا للنبل والقوة والهوية. وقد أبدعت الوفود المشاركة في إبراز أصالة صناعاتها التقليدية من زخارف وسروج وأطقم فروسية تحمل بصمات فنية عريقة، تؤكد أن الفروسية في إفريقيا ليست مجرد نشاط رياضي بل تراث اجتماعي واقتصادي يعكس القيم والموروث الثقافي للشعوب.
ويحظى الحصان في القارة الإفريقية بمكانة خاصة، إذ يشكل عنصرا رئيسيا في تاريخها وأساطيرها الشعبية. ففي السنغال تشتهر سلالات مبايار وفوتانكي التي تلقى اهتماما كبيرا في المرابط الوطنية وسباقات كاولاك، بينما تحتفظ مالي بإرث فرس الساحل الذي يرافق الاحتفالات الكبرى ويعبر عن الفخر الوطني. وفي بوركينا فاسو ارتبط الحصان بأسطورة الأميرة ينينغا التي جعلت منه رمزا للشجاعة والوحدة الوطنية، كما تتميز البلاد بتنوع سلالاتها مثل بوبو وموسي وياغا. أما في النيجر فيعتبر الحصان رمزا للسلطة والفخامة، فيما تواصل كوت ديفوار وطوغو الحفاظ على تقاليد فروسية متوارثة من خلال السباقات المحلية والحرف التقليدية التي تخلد علاقة الإنسان الإفريقي بالخيل.
وإلى جانب هذا البعد التراثي تسعى المملكة المغربية إلى تعزيز التعاون الإفريقي في مجال الفروسية من خلال تبادل الخبرات وتطوير الشراكات مع عدد من الدول المشاركة. وأكد المهندس دي كزافيي ميلوغو من وزارة الفلاحة ببوركينا فاسو أن المغرب يمتلك تجربة رائدة في تربية الخيول يمكن أن تسهم في تطوير القدرات الإفريقية في هذا المجال، معربا عن أمله في بناء شراكات جديدة لتحسين السلالات ودعم التكوين المهني للحرفيين. كما أوضح أوليفيي نغيسان من وزارة الفلاحة الإيفوارية أن هذه التظاهرة تشكل مناسبة لتبادل الخبرات وتقييم إمكانيات القارة الإفريقية في ميدان الفروسية. ومن جانبه أبرز دجيبي ضيوف من وزارة الفلاحة السنغالية أن العلاقات المغربية السنغالية في هذا المجال عرفت تطورا كبيرا منذ توقيع ثلاث اتفاقيات شراكة سنة 2007.
ويجسد معرض الفرس بالجديدة اليوم منصة حقيقية للحوار والتعاون بين البلدان الإفريقية، وفرصة لترسيخ قيم التضامن وتبادل التجارب في قطاع الفروسية، مع السعي إلى الابتكار وتثمين التراث المشترك. كما يكرس المعرض عمق الروابط التي تجمع المغرب بعمقه الإفريقي ويؤكد أن الفروسية تظل لغة ثقافية وإنسانية توحد شعوب القارة وتحتفي بتاريخها وهويتها المشتركة.