محمد امزيان لغريب
رحل أحمد الزفزافي، والد أيقونة حراك الريف ناصر الزفزافي، لكنه ترك وراءه سؤالاً عالقاً في وجدان الحسيمة: هل يرحل الألم برحيل أصحابه أم أنه يستوطن الأرض والقلوب جيلاً بعد جيل؟
برحيله، خسر الريف رجلاً صبوراً حمل هموم أبنائه والمعتقلين، وكان شاهداً على سنوات طويلة من التهميش والمعاناة التي عرفتها المنطقة. غير أن الموت لم يدفن القهر، ولم يطفئ جذوة المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية. فلا تزال الحسيمة تعيش على وقع الفقر، والبطالة، والحرمان من أبسط مقومات العيش الكريم، فيما تُركت أصوات المطالبين بالتغيير تصطدم بجدار صمت بارد.
لقد مات أحمد الزفزافي، ولم يمت الظلم الذي أنهك المدينة. مات، لكن وجع المعتقلين وعائلاتهم ما زال حياً في الزنازين وفي البيوت التي تنتظر عودة أحبتها. مات، ولم تمت الكلمة الحرة التي صدح بها ابنه ناصر ورفاقه، دفاعاً عن حق منطقتهم في الحياة بكرامة، كما ينص على ذلك الدستور المغربي والقوانين الدولية لحقوق الإنسان.
كان الرجل رمزاً لصبر الآباء، ومرآة لمعاناة الأمهات اللواتي يُكابدن بين أبواب السجون والمستشفيات. واليوم، برحيله، يجد المغاربة أنفسهم أمام حقيقة مرة: أن الحقوق تُؤجَّل، وأن الإنصاف لم يتحقق بعد، وأن الدولة مدعوة إلى قراءة رسالة الموت قبل أن تُقرأ الفاتحة على آخر أحلام الريف.
لا تحزن يا ناصر، ولا تحزني يا خالتي زليخة. فالموت لقاء وعدل عند من لا يظلم أحداً. لكن التاريخ لا يرحم، والتاريخ يسجل أن رجلاً مات وفي قلبه قهر لم يجد في الأرض آذاناً صاغية. سيبقى أحمد الزفزافي حياً في ذاكرة الريف، شاهداً على زمن جُرِّدت فيه الكلمات من حقها، والكرامة من معناها.
إن رحيل أحمد الزفزافي ليس مجرد فاجعة أسرية، بل هو جرس إنذار آخر بأن ملف الريف لا يزال مفتوحاً، وأن المصالحة الحقيقية لن تتحقق إلا برفع المظالم، وجبر الضرر، وإطلاق سراح من لا يزالون يؤدون ثمن أحلام شباب الحسيمة.












